تغطية خاصة

69 عاما من العروبة

الجيش العربي الأردني والتأسيس

في عام 1921، وعلى إثر الظروف السياسية التي أحاطت بالأمة العربية بعد الثورة العربية الكبرى، ومع قدوم سمو الأمير عبد الله بن الحسين إلى معان، تم ضم القوة التي قدمت معه من الحجاز مع القوة الموجودة في شرق الأردن وكانت هذه اللحظة بداية تأسيس نواة الجيش العربي الذي تشكل بفضل حمية ونخوة أفراد ضباطه وجنوده الذين التحقوا به، مجسدين تطلعاتهم الوطنية في بناء دولة ذات سيادة. هذه القوة التي كانت تضم ضباطًا وأفرادًا متطوعين، هي السند العسكري الأول في تأسيس الدولة الأردنية في عهد الامارة، وأطلق عليه اسم "الجيش العربي"، ليحمل في طياته الإرث النضالي للأمة العربية بأسرها، ويشكل في الوقت نفسه الركيزة الأساسية لبناء الدولة الحديثة.



وعند تأسيس أول حكومة (حكومة الشرق العربي)، كان يسمى مجلس الوزراء حينها "مجلس المشاورين"، ويسمى العضو فيها "مشاور". فأسند منصب مشاور الأمن والانضباط إلى علي خلقي الشرايري، وكانت مسؤوليته تنظيم الجيش وقوة الأمن والانضباط واعداد ميزانية سنوية من الحكومة واجراء التشكيلات الإدارية وتعيين حكام المقاطعات.



القرار التاريخي بالتعريب (1 آذار 1956م)

في صباح1 آذار 1956م، خاطب المغفور له الملك الحسين بن طلال بصوت متزن وعميق رئيس الديوان الملكي، معالي السيد بهجت التلهوني: "إما أن نعيش شرفاء أو نموت شرفاء، فحياة المرء إن كانت مسلوبة الكرامة فلا معنى لها ولا قيمة، ولا تستحق أن يتمسك بها". وعلى إثر ذلك دعا المغفور له الملك الحسين إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء، وعندما وصل جلالته إلى رئاسة الوزراء خاطب رئيس الوزراء معالي السيد سمير الرفاعي قائلًا: "منذ تسلم سلطاتي الدستورية وأنا أحاول أن أصحح الأوضاع قدر المستطاع بشكل يتفق مع كرامة الأردن وعزته".



وفي الساعة الثانية والنصف من ظهر نفس اليوم قام مجلس الوزراء بتنفيذ رغبة المغفور له الملك الحسين بإصدار قرار تعريب قيادة الجيش وحمل السيد بهجت التلهوني رئيس الديوان الملكي القرار التاريخي إلى جلالة الملك فوشحه بالتوقيع الملكي السامي، الذي نص على ما يلي:

1- إنهاء خدمة الفريق كلوب من منصب رئاسة أركان حرب الجيش العربي الأردني.

2- ترفيع الزعيم راضي عناب لرتبة لواء وتعيينه رئيس أركان حرب الجيش العربي الأردني.

3- إنهاء خدمات القائم مقام باتريك كوجهل (مدير الاستخبارات).

4- إنهاء خدمات الزعيم هاثون (مدير العمليات العسكرية).



وفي اليوم التالي، غادر الفريق كلوب عمان، وفي الساعة السابعة والنصف مساءً، بثت الإذاعة الأردنية القرار الذي لم يكن يتوقع أو يخطر على بال أحد، وحمل صوت الأثير صوت المغفور له الملك الحسين ليزف البشرى للشعب الأردني.



نص خطاب جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال بمناسبة التعريب

"السلام عليكم أيُّها الضباط والجنود البواسل أحييكم أينما كنتم وحيثما وُجدتم ضباطاً وحرساً وجنوداً، وبعد، فقد رأينا نفعاً لجيشنا وخدمةً لبلدنا ووطننا، أن نجري بعض الإجراءات الضرورية في مناصب الجيش، فنفّذناها متّكلين على الله العليّ القدير ومتوخّين مصلحة أمتنا وإعلاء كلمتها، وإنني آمل فيكم كما هو عهدي بكم النظامَ والطاعة. وأنت أيها الشعب الوفي، هنيئاً لك جيشك المظفّر الذي وهب نفسه في سبيل الوطن ونذر روحه لدفع العاديات عنك، مستمداً من تاريخنا روحَ التضحية والفداء، ومترسّماً نهج الأولين في جعل كلمة الله هي العليا، "إنْ ينْصُركم الله فلا غالبَ لكم".

استمع إلى جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال

من هو راضي عناب؟

راضي عناب هو أول قائد أردني للجيش العربي الأردني، وُلد في مدينة نابلس عام 1898م. درس في معهد المعلمين في بيروت، ثم التحق بالجيش العثماني قبل أن ينضم إلى الثورة العربية الكبرى. في عام 1923م، كان من الضباط الذين شكلوا النواة الأولى للجيش العربي الأردني، وفي عام 1956م، أصبح أول ضابط أردني يتولى رئاسة أركان الجيش العربي الأردني بعد تعريب القيادة.

أثر القرار على المملكة الأردنية الهاشمية:

  • أعطى لأبناء الوطن شرف قيادة الجيش العربي، وتولي مسؤولية القيادة العسكرية.
  • توظيف الجيش العربي جميع قدراته وإمكانياته لخدمة أمن الوطن وصون حقوقه والمحافظة على ترابه ومكتسباته.
  • ساهم في استقرار الكثير من الدول العربية والعالمية وتمكن من بناء الروابط القوية مع جيوش المنطقة من خلال قوات حفظ السلام.
  • تبادل الخبرات وفتح مدارس التدريب لجميع الصنوف والمعاهد العسكرية العليا التي أهّلت ضباط وأفراد هذا الجيش ليكونوا في الطليعة.
  • كان لقرار التعريب دافع كبير لاتخاذ العرب قرارات شجاعة مماثلة أهمها تأميم قناة السويس في شهر تموز 1956م.

تفاعل الأردنيين مع قرار التعريب

بعد أن سمع الشعب الأردني قرار جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه الجريء، هلّل الشعب وكبّر في جميع محافظات وألوية المملكة، وانطلق إلى الشوارع مبتهجا يهتف بحياة الملك الحسين وخطوته الشجاعة:" سلمت يمينك يا حسين"معربًا عن فخره بما تحقق من تعزيز للسيادة الوطنية.



هذا القرار لم يكن مجرد ذكرى في تاريخ الأردن فحسب، بل هو رمز من رموز الاستقلال والكرامة، فقد أرسل رسالة قوية إلى العرب بأهمية التحرر من النفوذ الأجنبي، وأعطى دفعة قوية للمشاعر القومية، مما جعل هذا اليوم مناسبة وطنية محفورة في الذاكرة العربية، تعكس إرادة الأمة في السيطرة على مصيرها.



الجيش العربي .... قرة عين المغفور له الملك الحسين بن طلال

على مر السنين، كان الملك الحسين يولي اهتمامًا بالغًا بتطوير الجيش العربي الأردني، الذي كان يشكل العمود الفقري لحماية الأمن الوطني الأردني، فبجانب الاهتمام بتعريب قيادة الجيش، كان جلالته يسعى دائمًا إلى تعزيز القدرات العسكرية للقوات المسلحة، وتزويدها بالتدريب والتقنيات الحديثة، لضمان جاهزيتها في الدفاع عن الوطن. كان الملك الحسين باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، يتابع عن كثب تطور الجيش، ويحرص على رفع معنويات الجنود والضباط، مما ساهم في تعزيز هيبة الجيش على الصعيدين المحلي والدولي. أدرك الملك الحسين أهمية تحديث الجيش وتحسين قدراته بشكل مستمر، فبادر إلى التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة لتأمين الدعم العسكري ولتطوير المعدات والاسلحة. كما كانت رؤية جلالته تركز على بناء جيش قادر على مواجهة التحديات الكبرى من خلال تدعيم الروح الوطنية والانتماء للجيش لدى أفراد القوات المسلحة.



الملك عبد الله الثاني: القائد الأعلى للقوات المسلحة والركيزة الاستراتيجية لمستقبل الأردن

حظيت القوات المسلحة - الجيش العربي باهتمام بالغ من جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي كان أحد أفراده وقائدًا للقوات الخاصة. وكان أكثر دراية بحاجات الجيش وتطلعاته المستقبلية حيث شهدت قوات الجيش في عهده تحديثًا وتطويرًا كبيرًا في مختلف المجالات العسكرية، سواء من حيث التدريب أو المعدات العسكرية المتطورة، كما ركز جلالته على تعزيز التعاون الدولي مع الدول الحليفة، لتأمين الدعم العسكري المستمر وتبادل الخبرات مع القوات العسكرية الدولية.
ويتطلع جلالته دوماً إلى بناء قوات مسلحة عصرية وحديثة تتمتع بمرونة عالية وقدرة كبيرة على الحركة ومواجهة التحديات الاستراتيجية المتغيرة تحافظ على قيمها العسكرية ووفية لتاريخها وتضحيات شهدائها.

ففي مجال التنظيم، أعيدت هيكلة عدد من وحدات القوات المسلحة، وتم استحداث وحدات قتالية بما يتلاءم مع التهديدات المتوقعة، وأعيد تنظيم بعض الوحدات بما يضمن تعزيز قدرات تشكيلات القوات المسلحة.

وتم تحويل جميع ألوية المشاة العاملة في القوات المسلحة إلى ألوية مشاة آلية، وهيكلة قيادة حرس الحدود، وإنشاء مديرية أمن الحدود لتكون المسؤولة عن تزويد تشكيلات القوات المسلحة بالمعلومات، وإدامة نظام أمن الحدود من الناحية الفنية، في حين تم ربط ألوية حرس الحدود بالمناطق العسكرية لضمان التطبيق الأفضل لمبدأ القيادة والسيطرة، واستحدثت قيادة العمليات الخاصة المشتركة.

وفي مجال التسليح استعيض عن منظومة الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في القوات المسلحة بأحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الصناعات الدفاعية. وفي مطلع القرن الجديد وتم إدخال دبابات وناقلات جند حديثة، إضافة إلى تشكيل لواء مدرع خفيف وتسليحه بدبابات وناقلات جند مدولبة.

وشهد سلاح الجو الملكي عملية تحديث واسعة شملت تحديث أسراب طائرات (16-F)، وإنشاء أسراب من الطائرات العمودية المقاتلة، وإنشاء لواء الأمير هاشم بن عبد الله الثاني / طيران العمليات الخاصة، وتحديث أسطول طائرات النقل الاستراتيجي في سلاح الجو الملكي، إضافة إلى تحديث منظومة الدفاع الجوي القديمة. كما تم تطوير زوارق القوة البحرية الملكية وزيادة أعدادها.

وفي مجال التدريب العسكري، تم إنشاء مركز الملك عبدالله الثاني لتدريب العمليات الخاصة (KASOTC) الذي افتتح عام 2009 وأصبح مركزًا متقدمًا للتدريب العسكري تقصده العديد من جيوش العالم للتدرب على أعمال العمليات الخاصة التي تتطلبها بيئة التهديدات الحالية.

وعملت القوات المسلحة خلال هذه المرحلة على إنشاء العديد من مراكز التميز العسكري ووحدات الاحتراف النوعي، مثل مركز مكافحة أسلحة الدمار الشامل بالتعاون مع حلف الناتو. وتم افتتاح مدينة نموذجية ومتكاملة للتدريب العسكري تجمع مدارس التدريب في القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي من مختلف الصنوف، كما تم إنشاء المركز العسكري لمكافحة الإرهاب والتطرف، والمركز الأردني للتطوير والتصميم، ومديرية الأمن السيبراني وتكنولوجيا المعلومات.

وطور الأردن واحدة من أفضل منظومات مراقبة الحدود، تضم أنظمة إلكترونية متطورة تشمل الكاميرات والرادارات والطائرات المسيرة لزيادة القدرة على المراقبة والكشف للأهداف الأرضية والمركبات والأشخاص والطائرات المسيرة وأنظمة التداخل الإلكتروني.

وشكلت عملية دمج الأجهزة الأمنية الثلاثة (مديرية الأمن العام، ومديرية الدرك ومديرية الدفاع المدني) بتوجيه من جلالة الملك الخطوة الأبرز في تاريخ المؤسسة الأمنية، وهدفت العملية إلى تعميق التنسيق الأمني المحترف، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطن، والتوفير على الموازنة العامة، ونفذت عملية الدمج عام 2020 وسنت التشريعات اللازمة لذلك، إذ شملت عملية الدمج أكثر من 99 وحدة تتشابه في المهام والأهداف. ونتج عنها ارتفاع مستوى الاحتراف الأمني، وتحسين نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين، وتوفير الدعم الفني والإداري والبنى التحتية لتكون متاحة أمام مختلف الخدمات الأمنية.

هذه التحديات والانجازات التي تحققت على مدار عقود من الزمان بفضل القرار التاريخي بتعريب قيادة الجيش العربي، وبفضل دعم القيادة الهاشمية المتواصل للجيش وتمكينه ليحتل مكانة مرموقة على مستوى جيوش العالم.